منتدى الخليج - مسكين يا انسان : يتوقع بانه افضل واعظم المخلوقات

مسكين الإنسان، انه يتصور بأنه أقوى وأفضل المخلوقات، إذ أن الله سبحانه وتعالي كرمه بنعمة العقل، وسخر له كل ما في الكون لخدمته، إنه الكائن المدلل في هذه الدنيا، ورغم ذلك فهو أضعف المخلوقات، ليس لأنه لا يمتلك القوة البدنية التي تتفوق فيها مخلوقات أخري، فقوته البدنية لا تعني شيء أمام عقله الذي سخر قوة تلك المخلوقات لخدمته، وتلبية رغباته التي لا حد لها، وإنما لأنه يعيش فوضى تعدد الشخصيات التي يجبر علي التعايش معها طوال حياته، فقد منحه الله سبحانه وتعالي شخصية خاصة به، لا يشبهه في تفاصيلها احد، إلا أن الآخرين من أقرب الناس إليه سلبوه هذه الشخصية، و اختاروا له شخصية أخري ترضيهم وتشبع أحلامهم فيما فشلوا هم فيه، واستعانوا بما يدعي بالتطبيع الاجتماعي من أجل تنشئته منذ أن يحل ضيفا علي هذه الدنيا علي هذه الشخصية التي ظلوا طوال حياتهم يحلمون بأن يكونوا مثلها، وفشلوا في ذلك، لان غيرهم سلبوهم هذه الشخصية الحقيقية، ومسخوهم في شخصيات كانوا هم يحلمون بها، وتتوالي العملية ليفقد كل منا شخصيته الحقيقية، ويسعى لسلب شخصية طفله لعله يعوض ما حرم منه. هل رأيتم كم هو ضعيف هذا الإنسان؟؟ وكم هو مشتت ما بين الشخصية المفروضة عليه، وبين شخصيته الحقيقية؟؟ والأكثر مرارة من كل ذلك، انه يعيش وهو يتمني لو امتلك شخصية أخري أعجبته حتى لو كانت شخصية مختلفة عن شخصيته الحقيقية وعن الشخصية التي أجبر عليها، وحتى يريح الإنسان نفسه من كل هذا التشتت، فانه يحاول أن يقضي ما لديه من أيام في محاولات لتجاهل نفسه، وعدم التفكير فيمن يكون، حتى لا يصطدم مع ما تم تطبيعه وقولبته عليه، وحتى لا يتحسر عن ما فقده من تلقائية وشخصية فطرية خاصة به، لذلك يتبع البعض منا سياسة الهروب من مواجهة الحقيقة، ويتخذها طريقا لإقناع نفسه بأنه علي ما يرام، فيبدأ في محاولة معرفة الآخرين ودراسة شخصياتهم، ويغرق في التحليل و التفسير ومحاولة معرفة نقاط ضعفهم وقوتهم، من أجل أن يفهمهم ويعرف كيف يتصل بهم، ومن ثم يتشبه بهم، وبذلك يكتسب بعض من صفاتهم التي تساعده علي التكيف مع الشخصية التي فرضت عليه، وبعضنا يريح نفسه من كل هذا التعب والشقاء، فيتخذ سياسة الأسهل والامتع فيعيش حلم يقظة رائع يري فيه نفسه كما يحب، وهل هناك أسهل أو أمتع من العيش في أحلام اليقظة؟؟ إنها تعوضنا عن ما نعانيه، خاصة وأن أحلام اليقظة أجمل بكثير من الحقيقة، و من تلك الأحلام التي نراها ونحن نيام، فنحن ببساطة شديدة من نضعها ونؤلفها و نخرجها ونمثل فيها، والأهم من كل ذلك فنحن من نتحكم فيها، وهي أسلوب ممتع كي نهرب من تلك الشخصية المزعجة التي فرضت علينا، ونتجاهل الشخصية الأساسية التي حرمنا منها، ونصل الي الشخصية التي نحلم بها، وبالتالي يقل التمزق الداخلي بالنسبة لنا, ونستطيع أن نتخيل شخصية رائعة مزيج من مزايا الشخصيات الثلاث، وليس فيها ذرة واحدة من عيوب تلك الشخصيات، عندها سوف تكون الحياة أجمل، ويصبح الآخرون أفضل، وتصير قدراتنا عالية ولا شيء يقف أمام تحقيق ما نتمنى، فنحن لا نعمل شيئا سوى أن نحلم، وهل هناك أجمل من الحلم كي نتخلص من كل مشاغلنا وكل ما يعطلنا، وكل ما يسبب الهم لنا، أو يشعل الألم فينا؟ فمن قال بان أحلام اليقظة مشكلة نفسية وهروب من الواقع، وتجنب للحقيقة؟ لا يا أصدقائي إنها البلسم الشافي من كل الأوجاع وهي الأكثر جدوى، فما معرفتنا لشخصياتنا الحقيقية سوف تغيرنا عما ألفنا عليه، ولا محاولاتنا المضنية لمعرفة الآخرين سوف تمنحنا إحساس بالتوازن. فهيا لنعيش معا أحلام يقظة جميلة وممتعة من صنع عقولنا وقلوبنا كي نستطيع أن نوازن أنفسنا، وان نملا الدنيا بالسكينة والسلام، ونعود من جديد للعيش في عالم وردي جميل نتنقل فيه مثل الفراشات اللاهية التي لا يهمها سوى جمال اللحظة.

السلام عليكم
ودمتم بكل خير