*
الأوَّلُ .. والآخِرُ .. والظـَّـاهِرُ .. والباطِنُ ..
قال الله تعالى: " هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ " ،
هذه الأسماء الأربعة المباركة ،
قد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم تفسيراً جامعاً واضحاً
فقال يخاطب ربه: " اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخرُ فليس بعدك شيء،
وأنت الظاهرُ فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء " .. إلى آخر الحديث ،
ففسّر كل اسم بمعناه العظيم ، ونفى عنه ما يُضاده ويُنافيه.فتدبّر هذه المعاني الجليلة
الدّالة على تفرّد الرب العظيم بالكمال المطلق والإحاطة الزمانية
في قوله: " الأوّلُ والآخرُ "، والمكانية في " الظاهر والباطن " ..
*
فَــ الأول
يدلّ على أنّ كل ما سواه حادث كائن بعد أنْ لم يكن ،
ويوجب للعبد أن يلحظ فضل ربه في كل نعمة دينية أو دنيوية ،
إذ السبب والمسبب منه تعالى ..
الأول [ 1 ]
الأول [ 2 ]
*
والآخر
يدل على أنه هو الغاية ، والصمد الذي تصمد إليه المخلوقات بتألُّـهها ، ورغبتها، ورهبتها، وجميع مطالبها ..
الآخر [ 1 ]
الآخر [ 2 ]
*
والظاهر
يدل على عظمة صفاته ، واضمحلال كل شيء عند عظمته
من ذوات وصفات على علوّه ..
الظاهر [ 1 ]
الظاهر [ 2 ]
*
والباطن
يدلّ على اطّلاعه على السرائر، والضمائر، والخبايا، والخفايا،
ودقائق الأشياء،كما يدلّ على كمال قربه ودنوّه .. ولا يتنافى الظاهر والباطن؛
لأن الله ليس كمثله شيء في كل النعوت ..
الباطن [ 1 ]

الباطن [ 2 ]

* الشروحات للدكتور محمد راتب النابلسي
5 – العَـلـِـيُّ، 6- الأعْلـَى، 7- الـْمُتـَعَالِ
قال الله تعالى: (وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)
وقال تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)
وقال تعالى:(عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الـْمُتَعَالِ)،
وذلك دالّ على أن جميع معاني العلوّ ثابتة لله من كل وجه
فله علوّ الذات؛ فإنه فوق المخلوقات، وعلى العرش استوى: أي علا، وارتفع.
وله علوّ القدر: وهو علوّ صفاته وعظمتها، فلا يماثله صفة مخلوق، بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا
ببعض معاني صفة واحدة من صفاته،
قال تعالى:(وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا).
وبذلك يُعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته.
وله علوّ القهر؛ فإنه الواحد القهّار الذي قهر بعزّته وعلوِّه الخلق كلهم، فنواصيهم بيده،
وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع، وما لم يشأ لم يكنْ،
فلو اجتمع الخلق على إيجاد
ما لم يشأهُ الله لم يقدروا، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه، وذلك لكمال اقتداره ،
ونفوذ مشيئته، وشدة افتقار المخلوقات كلها
إليه من كل وجه.
العلي1
العلي 2
الأعلى1
الاعلى 2
*
العَظِيمُ
قال الله تعالى: " وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ " ..
الله تعالى عظيم له كلُّ وصف ومعنى يوجب التعظيم،
فلا يقدر مخلوق أن يثني عليه
كما ينبغي له، ولا يُحصي ثناء عليه،
بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يُثني عليه عباده ..
واعلم أن معاني التعظيم الثابتة لله وحده نوعان :
- النوع الأول: أنه موصوفٌ بكل صفة كمال، وله من ذلك الكمال أكمله،
وأعظمه، وأوسعه، فله العلم المحيط، والقدرة النافذة، والكبرياء والعظمة،
ومن عظمته أن السموات والأرض في كفِّ الرحمن أصغر من الخردلة
كما قال ذلك ابن عباس وغيره، وقال تعالى: " وَمَا قَدَرُوْا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ " ،
وقال تعالى: " إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَـتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا
مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ " ..
وقال تعالى: " وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ " ،
" تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ " الآية ..
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله يقول: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري،
فمن نازعني واحداً منهما عذبته " ،
فلله تعالى الكبرياء والعظمة، الوصفان اللذان لا يُقدَّر قدرهما، ولا يُبلَغ كنههما ..
-النوع الثاني من معاني عظمته تعالى : أنه لا يستحق أحد من الخلق أن يُعظّم كما يُعظّم الله،
فيستحق جلّ جلاله من عباده أن يعظِّموه بقلوبهم، وألسنتهم، وجوارحهم،
وذلك ببذل الجهد في معرفته، ومحبته، والذُّلِّ له، والانكسار له، والخضوع لكبريائه ،
والخوف منه، وإعمال اللسان بالثناء عليه، وقيام الجوارح بشكره وعبوديته ..
ومن تعظيمه أن يُتقى حقَّ تقاته ، فيُطاع فلا يُعصى ، ويُذكر فلا يُنسى ، ويُشكَر فلا يُكفَر ..
ومن تعظيمه تعظيم ما حرّمه وشرعه من زمان ومكان وأعمال
" ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ " ،
وقال تعالى: " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ " ..
ومن تعظيمه أن لا يُعترض على شيء مما خلقه أو شرعه ..
العظيم [ 1 ]
العظيم [ 2 ]
*
المَجِيدُ
الذي له المجد العظيم، والمجد هو عظمة الصفات وسعتها،
فكل وصف من أوصافه عظيم شأنه ، فهو العليم الكامل في علمه،
الرّحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، القدير الذي لا يعجزه شيء،
الحليم الكامل في حلمه، الحكيم الكامل في حكمته، إلى بقية أسمائه وصفاته ،
التي بلغت غاية المجد، فليس في شيء منها قصور أو نقصان ،
قال الله تعالى: " رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ " ..
المجيد [ 1 ]
المجيد [ 2 ]
*
الْكَبِيرُ
وهو سبحانه وتعالى الموصوف بصفات المجد، والكبرياء، والعظمة، والجلال،
الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجلُّ وأعلى ..
وله التعظيم والإجلال، في قلوب أوليائه وأصفيائه ..
قد مُلئت قلوبهم من تعظيمه، وإجلاله، والخضوع له، والتذلل لكبريائه ،
قال الله تعالى: " ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا
فَالـْحُكْمُ لله الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ " ..
الكبير [ 1 ]
الكبير [ 2 ]
11- السَّمِيعُ
قال الله تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) ، وكثيراً ما يقرن الله بين صفة السمع والبصر،
فكل من السمع والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة،والباطنة،
فالسميع الذي أحاط سمعه بجميع المسموعات،فكل ما في العالم العلوي والسفلي من الأصوات يسمعها سرَّها وعلنها وكأنها لديه صوت واحد،
لا تختلط عليه الأصوات،ولا تخفى عليه جميع اللغات، والقريب منها والبعيد، والسرّ والعلانية عنده سواء
(سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ )
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ )،
قالت عائشة رضي الله عنها: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات،
لقد جاءت المجادلة تشتكي إلى رسول الله : وأنا في جانب الحجرة، وإنه ليخفى عليَّ بعض كلامها، فأنزل الله:
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ) الآية.
وسَمْعُه تعالى نوعان:
النوع الأول: سَمْعُه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة، الخفيّة والجليّة، وإحاطته التامّة بها.
النوع الثاني: سَمْعُ الإجابة منه للسائلين والداعين والعابدين فيجيبهم ويثيبهم،
ومنه قوله تعالى: (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ )، وقول المصلي ((سمع الله لمن حمده)) أي استجاب.

12- البصيرُ
الذي أحاط بصره بجميع المُبصِرات في أقطار الأرض والسموات، حتى أخفى ما يكون فيها،
فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصّماء في الليلة الظلماء،
وجميع أعضائها الباطنة والظاهرة،
وسريان القوت في أعضائها الدقيقة، ويرى سريان المياه في أغصان الأشجار وعروقها،
وجميع النباتات على اختلاف أنواعها وصغرها ودقَّتها،
ويرى نياط عروق النملة والنحلة والبعوضة
وأصغر من ذلك. فسبحان من تحيّرت العقول في عظمته، وسعة متعلقات صفاته، وكمال عظمته،
ولطفه، وخبرته بالغيب، والشهادة،والحاضر والغائب، ويرى خائنات الأعين، وتقلبات الأجفان،
وحركات الجنان، قال تعالى: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )،
(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ )
(وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، أي مطَّلع ومحيط علمه وبصره وسمعه بجميع الكائنات.
13- العَلِيمُ، 14- الخَبـِـيرُ
قال الله تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الـْحَكِيمُ الـْخَبِيرُ)
( إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ).
فهو العليم المحيط علمه بكل شيء: بالواجبات، والممتنعات، والممكنات، فيعلم تعالى نفسه الكريمة،
ونعوته المقدسة، وأوصافه العظيمة، وهي الواجبات التي لا يمكن إلا وجودها،
ويعلم الممتنعات حال امتناعها، ويعلم ما يترتّب على وجودها لو وُجدت.
كما قال تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلهَةٌ إِلاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ).
وقال تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ).
فهذا وشبهه من ذكر علمه بالممتنعات التي يعلمها، وإخباره بما ينشأ عنها لو وُجدت على وجه الفرض والتقدير،
ويعلم تعالى الممكنات، وهي التي يجوز وجودها وعدمها ما وجد منها وما لم يوجد مما لم تقتض الحكمة إيجاده،
فهو العليم الذي أحاط علمه بالعالم العلوي والسفلي، لا يخلو عن علمه مكان ولا زمان،
ويعلم الغيب والشهادة، والظواهر والبواطن، والجليّ والخفيّ.
قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )، والنصوص في ذكر إحاطة علم الله وتفصيل دقائق معلوماته كثيرة جداً لا يمكن حصرها ولا إحصاؤها،
وأنّه لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر،
وأنه لا يغفل ولا ينسى، وأنّ علوم الخلائق على سعتها وتنوعها إذا نسبت إلى علم الله اضمحلَّت وتلاشت،
كما أن قُدَرَهُم إذا نسبت إلى قدرة الله لم يكن لها نسبة إليها بوجهٍ من الوجوه،
فهو الذي علّمهم ما لم يكونوا يعلمون، وأقدرهم على ما لم يكونوا عليه قادرين.
وكما أن علمه محيط بجميع العالم العلوي والسفلي،
وما فيه من المخلوقات: ذواتها، وأوصافها، وأفعالها، وجميع أمورها،
فهو يعلم ما كان وما يكون في المستقبلات التي لا نهاية لها، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون،
ويعلم أحوال المكلفين منذ أنشأهم وبعد ما يُميتهم وبعد ما يُحييهم، قد أحاط علمه بأعمالهم كلِّها:
خيرها وشرها، وجزاء تلك الأعمال وتفاصيل ذلك في دار القرار.
والخلاصة أن لله تعالى هو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن، والإسرار والإعلان،
وبالواجبات، والمستحيلات، والممكنات، وبالعالم العلوي، والسفلي، وبالماضي، والحاضر، والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء.
العليم
الخبير (1)
الخبير (2)