منذ /05-03-2013, 03:01 AM
#1
|
|
 |
|
 |
|

التخلي والإهمال يلقيان بالأطفال ذوي الإعاقة في دوامة العنف النفسي والجسدي والمجتمعي

35 عاما قضاها "زهير” في دور الرعاية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، أمضى غالبيتها في دور إيواء الاطفال ذوي الإعاقة الذهنية، وأعوام معدودة في دار لرعاية مسنين، دون أن يسأل أحد من أهله عنه.
قصة الأربعيني زهير، نشرتها "الغد” نهاية العام الماضي، بعد أن شرعت الوزارة في التحقق من هويات بعض منتفعيها في دور رعاية المسنين، إذ تبين حينها وجود نحو 11 مسنا في دور الرعاية من مجهولي الهوية، غالبيتهم يعانون من إعاقات ذهنية بدرجات مختلفة.
"زهير” الذي يعاني من إعاقة عقلية متوسطة، أودع في دار رعاية عن طريق والده ولم يتجاوز حينها ثمانية أعوام، بعدها لم يعد أحد من أسرته لمتابعة شؤونه، ونتيجة لتنقله بين أكثر من مكان واغلاق المركز الذي ادخل إليه أول مرة، فقد ما يخصه من أوراق ثبوتية، ومعها فقد الامل في التقائه باسرته.
حالة زهير؛ تعكس حالات أطفال من ذوي الإعاقة، تخلى أولياء أمورهم عنهم، ليرعاهم من يعتقدون أنهم "أكثر قدرة على تلبية احتياجاتهم"
ويعد التخلي عن الطفل ذي الإعاقة، أسوأ أشكال العنف النفسي الذي يتعرض له الطفل بسبب إعاقته، فضلا عن أنه يجعله عرضة ليكون ضحية عنف وانتهاكات من قبل مقدمي خدمة الرعاية البديلة، بحسب نشطاء في حقوق الطفل.
ويرى هؤلاء النشطاء أن "الحكومة بأذرعها كافة؛ فشلت في تقديم المشورة وتوجيه أسر الأطفال ذوي الإعاقة، لرعاية أبنائهم داخل الاسرة"
وفي تجربة لم تستمر طويلا الى مركز جرش لرعاية ذوي الإعاقة، عمل المركز على إعطاء عطلة نهاية أسبوع للمنتفعين، يزور خلالها الطفل أسرته، لتعميق التواصل بين الطفل وأسرته، لكن النتيجة كانت مخيبة، فالأسر لم تتحمل بقاء أبنائها لديها في العطلة، وبعضهم اعاد الطفل إلى المركز في منتصف الليلة الاولى.
عاملة في مركز رعاية لذوي الاعاقة، تابع للقطاع الخاص، طلبت عدم ذكر اسمها، قالت لـ”الغد” إن "أحد منتفعي المركز قضى نحو 15 عاما، دون أن يتلقى زيارة واحدة من أسرته التي تعيش في الخارج، إذ يكتفي الأهل بإرسال مبالغ مالية لتغطية نفقاته الشهرية"
وأوضحت أن "الجفاء والامتناع عن زيارة المنتفعين، حالات تتكرر مع منتفعين آخرين، وذلك بمدد زمنية مختلفة، قد تكون لأشهر وفي حالات اخرى لأعوام"
وأكدت مديرة شؤون ذوي الاعاقة في الوزارة غادة مساعدة أن الأصل هو التعامل مع الطفل أو البالغ ذي الإعاقة الذهنية، ضمن محيط اسرته، فالأسرة، المكان الانسب لتطوير قدرات ومهارات الطفل المعاق، الى جانب حاجته لاهتمام وعاطفة اكبر من قبل الوالدين.
وبينت أن "الاشكالية تكمن في ان بعض الاسر ونتيجة وضعها الاجتماعي وعدم معرفتها بطبيعة حالة ابنها، قد لا تكون قادرة على التعامل مع الطفل وتلبية احتياجاته، ما ينعكس سلبا على الطفل والاسرة معا"
وأضافت أن "الاصل اندماج الطفل في مراكز نهارية لتطوير مهاراته، في حين ان المراكز الايوائية تبقى الخيار الاخير، كون تطور الطفل يتطلب الحب والحنان والانتماء، وهي احتياجات؛ فقط الأسرة تستطيع تلبيتها"
وقالت "في كل الأحوال، فإن إلغاء المراكز الايوائية غير وارد، خصوصا وأنه في بعض الاسر يغيب أحد الوالدين، او أن الوضع الصحي للأم لا يسمح لها بالعناية بابنها، خصوصا عند تقدمها بالسن، فضلا عن كبر حجم الأسرة وما تواجهه الاسرة من فقر وتحديات اقتصادية، تقف عائقا امامها في تقديم خدمات تأهيل نهارية لأبنائها، تكون عادة مكلفة"
"أبو سهم” اضطر لإيداع ابنه لدى بلوغه الـ16 عاما الى مركز ايواء، ولم يكن قراره بذلك سهلا، لكن وضع زوجته الصحي، وفشله وزوجته في التعامل مع نوبات غضب طفلهم، دفعه للاقتناع بان المراكز الايوائية هي الخيار الانسب لحالة طفله.
وبين أن ابنه يقضي عطلة نهاية الاسبوع في منزل الاسرة، كما ان والدته واخوته يزورونه ايام الاسبوع، للتأكد من حسن معاملته في المركز وتلبية احتياجاته.
وفي هذا السياق؛ شددت مساعدة على أهمية دور الاسرة في مواجهة أي إساءات محتملة ضد أبنائهم، مبينة انه برغم وجود فرق تفتيش، لكن للأسرة دورا مهما في مراقبة أوضاع أبنائهم والتقدم بشكوى في حال راودتهم الشكوك حول تعرضهم لأي إساءة.
ولفت إلى أن إمكانية الإساءة والعنف؛ تزداد تجاه الاطفال المتخلى عنهم.
وحول ما يعرف بالسلوكيات العنيفة لدى اشخاص من ذوي الاعاقة الذهنية، أكدت مساعدة أن "العنف ليس من سمات الشخص ذي الاعاقة، حتى ان انواع الاعاقات يغلب عليها صفات الود واللطف والرغبة في الاندماج"
وأوضحت أن "سلوكيات العنف لدى ذوي الاعاقة الذهنية في غالبها مكتسبة من المحيط الذي يعيشون به، إذ ان تعرض نسبة لا بأس بها منهم له من قبل أسرهم ومقدمي الخدمة، يحول سلوكياتهم تدريجيا الى سلوكيات عنيفة"
وأوضحت "في عدد من الحالات، يتعرض الأطفال ذو الإعاقة لإهمال وإساءة وعدم تقبل من الاسرة، بعضها يصل للاذى الشديد"
العام الماضي؛ شهد حالة قتل أم لابنتها ذات أربعة أعوام، نتيجة ضغوطات اجتماعية ومعايرة أهل زوجها لها بحملها لطفلة ذات اعاقة في فترة الخطوبة.
أخصائي الطب الشرعي؛ الخبير لدى الامم المتحدة في مواجهة العنف ضد الأطفال الدكتور هاني جهشان بين أن "الاطفال الذين يعانون إعاقات، معرضون لعوامل خطورة مضاعفة من العنف، بسبب الوصمة الثقافية الاجتماعية السلبية المتعلقة بهم، وتفشي الجهل في التعامل معهم"
ولفت جهشان إلى أن نقص الدعم الاجتماعي للأطفال ذوي الإعاقات، ومحدودية فرص التعليم والمشاركة في المجتمع المحلي، تسهم بعزلهم وعزل عائلاتهم عن الانخراط في الحياة الاجتماعية، وبالتالي زيادة معاناتهم.
وبين أن الأطفال ذوي الإعاقة كثيرا ما يستهدفون بالعنف، لأنهم غير قادرين على حماية أنفسهم، وبسبب توقع عدم إفصاحهم عما يتعرضون له جراء محدودية قدراتهم، وعجزهم على التواصل والكلام مع الآخرين.
وبحسب دراسات عالمية؛ فإن 90 % من الأطفال ذوي الإعاقات النفسية يتعرضون للإساءة الجنسية في فترة ما من حياتهم.
وأشار جهشان إلى الثقافة المجتمعية في التعامل مع الطفل ذي الاعاقة، إذ يعتقد في بعض البيئات الاجتماعية أن الاعاقة تجلب العار للأسرة، فيجري التعامل مع ذوي الاعاقة بعنف، كل ذلك بسبب غياب أو نقص الدعم الاجتماعي الذي يؤدي للكرب النفسي في الأسرة وأوضح أن إهمال الطفل ذي الإعاقة، أشد خطرا على حياته، مقارنة بالطفل غير المعاق جراء حاجته للرعاية الخاصة؛ من طعام ودواء واحتياجات حياة أساسية أخرى؛ وعليه فهذا الإهمال يعتبر شكلا من أشكال العنف.
وشدد جهشان على أهمية تمكين الأطفال ذوي الإعاقات وأسرهم للعمل على كسب التأييد المجتمعي لهم، ببرامج ترعاها الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني، وتشمل تدريب الأطفال على مهارات الحياة وحماية أنفسهم من العنف، بما في ذلك التثقيف الجنسي، وبما تسمح به قدراتهم الاستيعابية، وتشجيعهم على الإفصاح عن العنف في حال تعرضوا له.

|
|
 |
|
 |

|
|
|