مقال : الفقر والاختلاط والتناقض

 

مقال : الفقر والاختلاط والتناقض

تركي عبدالله السديري
نشرت جريدة المدينة - التي طوّر الزميل فهد آل عقران قدراتها الصحفية بتوفّر استقرارها ثم تطويرها وبرمجة تلك القدرات بعد أن كانت قبله مجالاً مفتوحاً للنزاعات، هي التي كانت قبل سنوات طويلة تحتل أولوية الحضور الإعلامي - نشرت تحقيقاً صحفياً مصوراً على الصفحة «٩» بعنوان: «فقراء شرورة يصارعون برد الشتاء وحرارة الصيف في خيام صحراوية».. هذا التحقيق يأخذنا إلى أقصى الجنوب، ولو امتدت صحيفة أخرى إلى أقصى الشمال فإنها ستجد نفس المظهر الاجتماعي البائس.. أما في الرياض وجدة والخبر وتبوك وأبها فلن يتعذّر إطلاقاً أن تجد عند منعطفات المرور في الشوارع سيدات يعرضن حالة فقرهن البائس على المارة.. صحيح أنهن مطاردات لمنع مثل هذا التسوّل، وأيضاً لاشتباه أنهن غير مواطنات، لكن نظل أمام حقيقة لا خلاف عليها وهي أنه يوجد انتماء محلي حتى ولو تضاءل عدده، ثم إن كل مَنْ يتسوّل، بغض النظر عن هويته، هو مسلم تماماً..
نحن أمام واقع بؤس امرأة عاجزة عن كسب قوت يومها لها أو لطفلها.. هذه الظاهرة منتشرة.. أي ليست ممارسة سرية فهي معلنة أمام مَنْ يريدون التأثير على الرأي العام لمساندة الآخر.. مثلها مظاهر أخرى مضحكة عندما نحاول المقارنة بين المرأة السعودية فيما تلبس أو تأكل حين وجودها خارج حدود بلدها وبين ما هي عليه داخل الحدود..
التناقض صارخ، بل يلزمك على الضحك وإدراك أنك تكاد تكون المجتمع الوحيد الذي لنسائه مظهر حضور في الخارج يختلف عمّا هو عليه في الداخل..
هذا التناقض شبيه بتناقض آخر، عندما نجد أن النصائح القضائية وتوقيع بعض الفتاوى تحريماً لعمل المرأة وتحريماً للاختلاط دون أي نظرة للجانب الإنساني في الموضوع؛ رغم أن الإسلام هو أكثر الأديان اهتماماً بمعالجة مختلف مظاهر القصور الإنساني، ويتجه في كثير من أهدافه إلى توفير وجود مجتمع متجانس المستويات أو على الأقل متقارب المستويات.. ثم إذا كان أن الاختلاط أو عمل المرأة من شأنهما تسهيل مهمة انحرافها أخلاقياً وهذا يصوّرها كما لو كانت مجرد حيوان تسحبه نحوك لوضع قطعة برسيم أمام عيونه..
إن الفقر أكثر خطورة على نزاهة المجتمع في سلوكياته سواء الرجل أو المرأة.. فالفقر هو دافع الرجل أحياناً إلى الجريمة، مثلما هو دافع المرأة البائسة نحو تنازلات أخلاقية.. لكن تتكلم مع مَنْ؟.. ما هو مستوى ثقافة مَنْ يوقّعون تلك الفتاوى؟.. ما حجم المقارنة بينهم وبين علماء دين أفاضل في دول أخرى؟..

المصدر: منتدى الخليج