منذ /10-29-2011, 12:36 AM
#1
|
رقم العضوية :
10814
|
تاريخ التسجيل :
Aug 2011
|
الجنس
:
أنثى
|
الدولة :
none
|
مجموع المشاركات :
12,063
|
النقاط :
|
تقييم المستوى :
10
|
قوة التقييم :
2414
|
|
|
«جنون العَظَمه» داء نفسي مَردّه تضخم الــ «أنا»


في حياتنا اليوميه، في المحيط الدراسي أو المهني، أو ربما حتى العائلي، لابد أن نرى أشخاصاً يبدو عليهم ما يشبه أعراض داء نفسي، اسمه «جنون العَظَمه»، أو داء العَظَمه.
أهم تلك الأعراض: إعطاء مقدرات الذات أهميه أعلى مما تستحق بكثير، والاقتناع بتلك الأهميه اقتناعاً لا يقبل إعادة نظر موضوعيه

يعرِّف علماء النفس «داء العظمه» بأنه حاله نفسيه شاذه تنجم عن «تضخم الأنا» تضخماً مَرَضياًّ.
ويؤكدون أن تجلياته تتمثل في انعدام قدرة المصاب على تقدير مقدراته الحقيقيه تقديراً موضوعياًّ ودقيقاً
(مقدراته بأنواعها: الجسميه والنفسيه والمعنويه والماليه والمهنيه والفكريه والاجتماعيه ... إلخ).
كما قد تصل المغالاة في تفخيم الذات حد جعل المصاب يبلغ مرحلة الهذيان الفكري.
وفي الأحوال كلها، ينبع داء العظمه من حب مفرط للذات، يفضي إلى طموح السلطه لا يتناسب وأهمية المصاب الحقيقيه.
وفي الحالات القصوى، يظن المصاب يقيناً أنه مكلف بمهمه «روحيه»، عليه تأديتها.

فمثلاً، قبل سنوات، في فرنسا، صَحـا فـي عزّ الليل أحد أولئك المرضى النفسيين المصابين بــ «جنون العظمه»، فأخذ سيارته
وبدأ يسير في الخط الخارجي السريع في الاتجاه المعاكس, وبمعجزه، لم يحصل حادث مميت.
إذ لاحقته الشرطه لمسافة 45 كيلومتراً قبل التمكن من إيقافه، بينما تمكنت سلطات الرقابه الإلكترونيه من سد الخط السريع للسيارات الأخرى، تفادياً للحوادث.
وبعد استجوابه ذكر، وبكل صدق (بما أنه لا يعي إصابته)، أنه رأي النبي عيسى عليه السلام في طيف، فقال له إن الناس سائرون في الطريق الخطأ، وأمره بأن يرشدهم
ويدلهم إلى الصراط المستقيم، وأوعز إليه بأن يقود سيارته على ذلك النحو لتنبيههم وإيقاظهم من غفوتهم، وما إلى ذلك.

لكن مصطلح «جنون العَظَمه»، بالإنجليزيه «megalomania»، وبالفرنسيه «mégalomanie» أو «folie des grandeurs»
حُرِّف كثيراً في الحياة اليوميه، فصار يستخدم لحالات أشد وطأه بكثير، مثلاً في الحديث عن شخص يبالغ أحياناً في تقدير ذاته وإنجازاته
بالتالي يتطلع إلى طموحات غير متناسبه طردياًّ معها، بعباره أخرى غير واقعيه، إنما من دون أن تشكل مغالاته حقاًّ حاله نفسيه مرضيه من مفهوم التحليل النفسي
بل مجرد ميل مزعج إلى المغالاة.
وهذه حالات كثيره، لا يندر أن نصادفها في الحياة اليوميه فنعلق، بعفويه، «حقاًّ إنه أو (إنها) من المصابين بجنون العظمه».
وغالباً ما نكون على خطأ في تقديرنا، فنسيء استخدام المصطلح، أقله من منظور الطب النفسي، الذي يعطي تشخيصاً أكثر دقه لحالة داء العظمه الحقيقي.

فمثلاً، بالنسبه إلى شارل لاسيغ (Charles Lasègue 1816-1883)، «يشكل تفخيم الذات إحدى أكثر حالات المرض النفسي شيوعاً».
وأوضح الطبيب النفسي الفرنسي، في كتابه (عن «داء العظمه» وهذيان الطموح)، أن ذلك الاضطراب النفسي يرافق تقريباً أنواع الجنون الأخرى كافه.
ففي رأيه، يشكل ما يدعوه «هذيان الطموح»، بعباره أخرى داء العظمه، متلازمه شبه دائمه للأنواع الأخرى (تقريباً كلها من دون استثناء) من الأمراض العقليه الشائعه.
لذلك، اهتم لاسيغ اهتماماً خاصاًّ بتشخيص داء العظمه، لغاية تشخيص أي اختلال عقلي آخر محتمل، قد يكون المريض مصاباً به.
وبحسب رأي المتخِّصص، فإنَّ داء العظمه تعبير عن «شلل عقلي تام».
أضاف أن ذلك الشلل العقلي يكون مصحوباً «بهذيان فكري في شأن السلطه والرغبه والثراء والجاه والقدره البدنيه، تشكل في مجموعها جوهر الهذيان النفسي».

زعماء الملل الباطنيه
كما أكد لاسيغ أن «الشلل العقلي الذي ينجم عنه «داء العظمه»، يكون مصحوباً باضطراب في الذكاء، ولابد أن يفضي إلى اضطرابات أخرى تتجاوز داء العظمه نفسه».
إذ من الجدير القول إنَّ لاسيغ كان يعدُّ الاضطرابات العقليه وحده واحده متكامله، أي أن الإصابه بأحدها تنعكس على العقليه العامه للمصاب، فتتراكم عنده مجموعة اضطرابات ولا يؤمن بنهج عالم آخر، اسمه أسكيرول، ينصب على التفريق بين مظاهر الاضطراب العقلي، ويرتكز على أساس إمكانية أن يكون اضطراباً ما منعزلاً، بالتالي ينبغي معالجته على انفراد. أما لاسيغ، فدعا إلى «التصدي للاضطرابات النفسيه كلها»، مع البدء بـــ «جنون العظمه»، الذي يشكل، في رأيه «مرحله أولى، لا مناص منها، لبلوغ أنواع الاضطرابات الأخرى، تتمثل باديء ذي بدء في فقدان القدره على رؤية الواقع، ثم القدره على تكييف الذات عليه، لا العكس.
فالمصاب يظن قطعاً أن العالم سيتكيف على أهوائه ورغباته، بينما المعافى نفسياًّ يحرص على تكييف رغباته وفقاً للعالم، ولِـمَـا هو متاح وممكن».

على صعيد آخر، لوحظ أن العديد من زعماء الملل الباطنيه المشبوهه كانوا مصابين بـــ «داء العظمه».
لا يتطلعون إلى شيء سوى بسط سلطتهم على نفر من أناس بسطاء سذج، وتجريدهم من ممتلكاتهم وأموالهم (وأحياناً حتى نسائهم)، والتمتع بها لإشباع رغباتهم النابعه من جنونهم نفسه، أي إصابتهم بداء العظمه. ودرَس هذه الظاهره، بشكل علمي قائم على أسس التحليل النفسي، علماء نفس كثيرون، منهم الفرنسيان هنري إي (H. Ey)
وبيرنار بريسيه (B. Brisset)، والألماني أميل كراپلن (E. Kraeplin, 1856-1926).

يصيب الطغاة والمستبدين
إذ، بخلاف لاسيغ، يشير بعض المتخصصين، إلى أنَّ «بعض المصابين بــــ «داء العظمه» يمتازون بذكاء حاد، وقدره كلاميه، وأحياناً مقدرات تنظيميه هائله، تتيح لهم جمع عدد من المعجبين والمغرَّر بهم حول شخصهم.
وفي البدايه، يكون الأمر فلكلورياًّ، مثيراً للسخريه والضحك.
لكن، في حال تلاقي ظروف مواتيه، تتيح للمصاب تَسنُّم سلطةٌ ما، تتحول المسخره إلى أمر جاد، لا يندر أن ينتهي بتأسيس مله، ولا يندر أن تتخذ المله أبعاداً كبيره من التأثير والنفوذ، على الرغم من أنها نبعت أصلاً من حاله مرضيه، بالمفهوم النفسي.
ويأتي بعض الدارسين بمثال المدعو لندون لاروش (L. LaRouche)، الذي تمكن، في ثمانينات القرن الماضي، من أسر لبِّ عدد من السياسيين الأميركيين، بمن فيهم الرئيس وقتها، رونالد ريغان.
وقدر على تشكيل مله قويه، استقطبت حولها عدداً باهراً من أقطاب الـلوبي الصناعي والعسكري، وابتزازهم عبر التفذلك بنظريات، في البدايه قائمه على أساس علمي حقيقي
لكن مع تحريفها وجعلها تبدو نابعة من خياله.

ولوحظ أيضاً أن«داء العظمه» مرض عقلي لا يندر وجوده بين القاده الطغاة والمستبدين.
وفي هذا الشأن، يشار إلى أدولف هتلر (الذي هو أيضاً أساء تقدير قوته، فدفع بجيوشه إلى روسيا، ما أدى إلى اندحاره)
وإلى نابليون بونابرت (الذي عانى الحالة نفسها تماماً: بالغ في تقدير قوته، ما يعد من علامات جنون العظمه، فزجَّ بقواته في روسيا، ما أدى إلى اندحاره، هو أيضاً).

كما سَعى بعض المحللين النفسيين إلى إيجاد رابط بين «جنون العظمه» وحالات مجرمين شهيرين، خاصة قتَـلَـة متسلسلين، فوجدوا أيضاً
أن العديد منهم عانى فترة «جنون العظمه» فقاده الإحباط إلى التصرف تصرفاً إجرامياً.
وعلى ذكر الإحباط الناجم عن اصطدام «هذيان الطموح» بالواقع، ثمة حاله تخص النساء، سماها العلماء الـــ ـ«بوڤاريه» «Bovarysme»
نسبةً إلى شخصية «مدام بوڤاري»، وهي شخصيه لروايه ألّفها في القرن التاسع عشر الكاتب الفرنسي غوستاڤ فلوبير «Gustave Flaubert».
فمدام بوڤاري تلك، قبل زواجها، أي عندما كانت فتاة، كانت تفرط في قراءة القصص الرومانسيه، ما جعلها تحلم أحلاماً طائشه، تتسم بــــ «جنون العظمه»
وتتطلع إلى الارتباط برجل ذي سلطه، أو جاه كبير.
لكن، اصطدمت بالواقع، فتزوجت رجلاً تافهاً، السيد بوڤاري، لم يكن ليحقق لها 1 في الألف من أحلامها المجنونه.
فباتت، بسبب الإحباط، تتجه نحو الهروب إلى الأمام، والانصياع لغريزة «تدمير الذات». ويرى المتخصصون أنّ هذه الحاله تصيب النسوه أكثر من الرجال :134:.

|

|
|
|