الى أصحاب البلاء وأرباب الكربات

 

الى أصحاب البلاء وأرباب الكربات

بسم الله الرحمن الرحيم


والحمد لله رب العالمين القائل : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ .

والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أنزل عليه قول القوي المتين : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ... وبعد ،


في البلاء دروس لا يمكن أن نأخذها من غيره أبداً وهي من حكم البلاء ومن أهمها مايلي :


(الدرس الأول )


اعلم أيها القاريء الكريم ان البلاء درس من دروس التوحيد والايمان والتوكل يطلعك عملياً على حقيقة نفسك لتعلم أنك عبد ضعيف لاحول لك ولاقوة لك الا بربك ، فتتوكل عليه حق التوكل ، وتلجأ اله حق اللجوء حينما يسقط الجاه والتيه والخيلاء ، والعجب والغرور والغفلــــــــة

وتفهم أنك مسكين يلوذ بمولاه ، وضعيف يلجأ الى القوي العزيز سبحانه



(الدرس الثاني )



أن البلاء يكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور ، وأن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا ، في حياة لامرض فيها ولا تعب

(وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) (64 : العنكبوت)

اما هذه الدنيا فنكد وجهد وكبد : (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) (4 : البلد)

فهذا شأن الدنيا فبينما هي مقبلة اذا بها مدبرة ، وبينما هي ضاحكة اذا بها عابسة .. فما أسرع العبوس من ابتسامتها ، وما أسرع القطع من وصلها ، وما أسرع البلاء من نعمائها .

فهذه طبيعتها ولكنك تنسى – أخي الكريم/اختي الكريمة
فيأتي البلاء فيذكرك بحقيقتها لتستعد للآخرة ويقول لك :



فأعمل لدارٍ غداً رضوانُ خازنهـــــا *** الجــــار أحمدُ والرحمن بانيـــها

قصورها ذهب والمسك تربتها *** والزعفـــــران حشيشٌ نابتٌ فيــــها




(الدرس الثالث )



أن البلاء يذكرك بفضل نعمة الله عليك بالعافية فان هذه المصيبة تشرح لك بأبلغ بيان وأصرح برهان معنى العافية التي كنت تمتعت بها سنين طويلة ، ولم تتذوق حلاوتها ولم تقدرها حق قدرها .

وصدق من قال : (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه الا المرضى)

ومَن غير المبتلى يعرف أن الدنيا كلمة ليس لها معنى الا العافية ؟



(الدرس الرابع )



أن البلاء يذكرنا فلا نفرح فرحاً يطغينا ، ولا نأسى أسىً يفنينا فان الله عز وجل يقول :

مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ *** لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
(22 ، 23 : الحديد)




(الدرس الخامس)



أن البلاء يذكرك بعيوب نفسك لتتوب منها والله عز وجل يقول :
(وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) (79 : النساء)

ويقول سبحانه : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (30 : الشورى)


فالبلاء فرصة للتوبة والأوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر أجارنا الله واياكم من عذابه فان الله تعالى يقول : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (21 : السجدة )
والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها .



(الدرس السادس)



أن البلاء درس تربوي عملي يربينا على الصبر وما أحوجنا الى الصبر في كل شيء .. فلم نستطيع الثبات على الحق الا بالصبر على طاعة الله ، ولن نستطيع البعد عن الباطل الا بالصبر عن معصية الله .. ولن نستطيع السير في مناحي الحياة الا بالصبر على أقدار الله ولو كانت مؤلمة
وما أجمل الصبر في ذلك كله فهو زادنا الى جنة الخلد والرضوان

قال سبحانه وتعالى : (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ )(35 : فصلت)



وختاما لهذه الدروس أظنكم أحبتي في الله توافقوني الرأي بأن هذه الدروس الستة لايمكن أن نأخذها من غير بلاء ، اذ هي من قبل أن نصاب بالبلاء لا تعدو أن تكون حبراً على ورق ، وكلاماً نظرياً يطير به الهوى ، فاذا نزل بنا البلاء وأجتزناه بنجاح صارت واقعاً عملياً نعيشه

وهذا من حِكَمِ البلاء .



فلا تنسى أن تبحث في البلاء عن الأجر ، ولا سبيل اليه الا بالصبر ولا سبيل الى الصبر الا بعزيمة ايمانية وارادة قوية .

لا تنسى : ذكر الله تعالى شكراً على العطاء وصبراً على البلاء وليكن ذلك اخلاصاً وخفية بينك وبين ربك .

لا تنسى : أن الله تعالى يراك ، ويعلم مابك .. وأنه أرحم بك من نفسك ومن الناس أجمعين .. فلا تَشْكُونّ الا اليه ..

لا تنسى : اذا أصبت بأمر عارضٍ أن تحمد الله أنك لم تُصب بعرض أشد منه ، وأنه وان ابتلاك فقد عافاك ، وان أخذ منك فقد أعطاك (وهو الغني عنك)

لا تنسى : أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وأن عظم الجزاء من عظم البلاء ، وأن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ... فأصبر وأحتسب ودع الجزع فانه لن يفيدك شيئاً وانما سيضاعف مصيبتك ! ويفوِّت عليك الأجر ويعرضك للاثم .

ولا تنسى قول : انا لله وانا اليه راجعون .. اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها فانك ان قلت ذلك أجارك الله في مصيبتك وخلفها عليك بخير.


ولا تيأس من روح الله مهما بلغ بك البلاء فان الله سبحانه وتعالى يقول :


(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً *** إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً )(5 ، 6 : الشرح)

ولن يغلب عسر يُسرين


ثـــم حذاري أن تنسى
فضل الله عليك اذا عادت اليك العافية فتكون ممن قال عنهم :
(وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ ) (12 : يونس)



أعود وأذكركم ونفسي بما بدأت به ، وهو قول الحق جل وعلا :

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157) (سورة البقرة)


أسأل الله أن يجعلنا جميعا من الصابرين على البلاء .. الشاكرين الحامدين لله في السراء والضراء .


والحمد لله مفرج الهموم ، ومنفس الكروب ومبدد الأحزان والأشجان والغموم أولا وأخيرا

وصلي اللهم وزد وبارك وأنعم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .




*******************



الى أصحاب البلاء وأرباب الكربات .. صبراَ جميلا

الى الصابرين المحتسبين من أحفاد أيوب .. تحيةً وتأييداً

الى المهمومين والمحزونين

فلرُبَّ أمر محزن لك في عواقبه الرضا

ولربما اتسع المضيق وربما ضاق الفضا

المصدر: منتدى الخليج