![]() |
![]() |
|
#1 | |||||||||||
![]() ![]()
|
نحن المسلمين ! سـلـوا عـنـا ديـار الـشـام وريـاضـهـا ، والـعراق وسـوادهـا ، والأندلـس وأرباضها ، سلوا مصر وواديها ،سلوا الجزيرة وفيافيها ،سلوا الدنيا ومَنْ فيها .. سلوا بطاح إفريقية ، وربوع العجم ، وسفوح القفقاس ، سلوا حفافي الكنج ، وضفاف اللوار ، ووادي الدانوب ،سلوا عنا كل أرض في " الأرض " . وكل حيّ تحت السماء .. إن عندهم جميعاً خبراً من بطولاتنـا وتضحياتنـا ومآثرنـا ومفاخرنـا وعلومنـا وفنوننـا .. نحن المسلمين !! *** نحن المسلمين ! هل روى رياض المجد إلّا دماؤنـا ؟ هل زانـت جنـات الـبـطولة إلّا أجسـاد شهدائنـا ؟هل عرفت الدنيا أنـبـل منـا أو أكـرم ، أو أرأف أو أرحـم ، أو أجَـلّ أو أعـظـم ، أو أرقـى أو أعـلـم ؟ نحن حملنـا المنار الهادي والأرض تتيه في ليل الجهل ، وقلنا لأهلنا : هذا الطريق ! نحن نصبنا موازين العدل يوم رَفعت كل أمّة عصا الطغيان . نحن بنينـا لـلـعـلـم داراً يأوي إلـيـهـا حيـن شرّده الناس عن داره . نحن أعلنَّا المساواة يوم كان البشر يعبدون ملوكهم ويؤلِّهون ساداتهم . نحن أحيينـا القـلوب بالإيمـان ، والـعـقـول بالـعـلـم ، والنـاس كلهم بالحرية والحضارة . نحن المسلمين ! *** نحن أنشأنا حضارة الشام ، والعراق ، ومصر ، والأندلس . نـحن شِدنـا بيت الحـكـمة ، والـمـدرسة النـظامـية ، وجـامعة قرطبة ، والجامع الأزهر . نـحـنعـمـرنـا الأمـوي ، وقـبّـة الـصـخـرة ، وسُـرَّ مَـن رأى ، والزهراء ، والحمراء ، ومسجد السلطان أحمد ، وتاج محل . نحن علّمنا أهل الأرض ، وكنا الأساتذة وكانوا التلاميذ . نحن المسلمين ! *** منّـا: خـالـد ، وطـارق ، وقـتـيـبـة ، وابـن القـاسـم ، والـمـلـك الظاهر . منّـا : الـبـخـاري ، والـطـبـري ،وابن تيـميـة ، وابن القـيـم ، وابن حزم ، وابن خلدون . منّا : الغزالي ، وابن رشد ، وابن سينا ، والرازيّ . منّا : الخليل ، والجاحظ ، وأبو حيّان . منّا : أبو تمّام ، والمتنبّي ، والمعرّي . . منّا : معبد وإسحاق وزرياب . منّا : كل خليفة كان الصورة الحيّة لـلـمثُل البشرية العـليـا ، وكل قائد كان سيفاً من سيوف الله مسلولاً ، وكل عالِم كان من البشر كالعقل من الجسد . منّا : مائة ألف عظيم وعظيم . نحن المسلمين ! *** قانوننا قرآننا ، وإمامنا نبيّنا ، وأميرنا خادمنا . . وضعيفنا الحقّ قويٌّ فينا ، وقويّنا عون لضعيفنا . وكلنا إخوان في الله ، سواءٌ أمام الدين . . نحن المسلمين ! *** ملَكْنـا فعَدلْنَـا ، وبنينـا فأعلينـا ، وفتحنـا فأوغلنـا ، وكنـا الأقوياء المنصفين ، سَنَنَّـا في الحرب شرائع الرأفة ، وشرعنـا في الـسـلـم سنن العدل ، فكنـا خير الحاكمين ، وسادة الفاتحين . . أقـمـنـا حـضـارة كـانـت خـيـراً كـلـهـا وبـركـات ، حـضـارة روح وجسد،وفضيلة وسعادة ، فعمّ نفعها الناس ، وتفيّأ ظلالها أهل الأرض جـمـيـعـاً ، وسـقـيـنـاهـا " نـحـن " مـن دمـائـنـا ، وشـدنـاهـا عـلـى جماجم شهدائنا! وهـل خـلـت الأرض من شهيد لنـا قضى في سبيل الإسلام والسلام ، والإيمان والأمان ؟ *** هل تحققت المثُل البشرية العليـا إلّا فينـا ؟ هـل عـرف الـكـون مـجـمـعـاً بـشـريـاً ( إلا مـجـمـعـنـا) قـام عـلـى الأخلاق والصدق والإيثار ؟ هل اتفق واقع الحيـاة وأحلام الفلاسفة وآمال المصلحين ، إلّا في صدر الإسلام ؟ يوم كان الجريح المسلم يجود بروحه في المعركة يشتهي شربة من ماء فإذا أخذ الكأس رأى جريحاً آخر فآثره على نفسه ومات عطشان . يوم كانت المرأة المسلمة يموت زوجها وأخوها وأبوها فإذا أُخبرت بهم سألت :مافعل رسول الله ؟ فإذا قيل لها : هو حيّ ، قالت : كل مصيبة بعده هيّنة . يـوم كـانـت الـعـجـوز تـردّ عـلـى عـمـر وهـو عـلـى الـمـنـبـر في الموقف الرسمي وعمر يحكم إحدى عشرة حكومة من حكومات اليوم. يوم كان الواحد منـا يـحـب لأخيه ما يحب لنفسه و يؤثره عليها ولو كان به خصاصة . وكنا أطهاراً في أجسادنا وأرواحنا ومادتنا والمعنى . وكنالا نأتي أمراً ولا ندعه ولا نقوم ولا نقعد ولا نذهب ولا نجيء إلّا بالله . قد أَمَتْنَا الشهوات من نفوسنا فكان هوانا تبعاً لـمـا جاء به القرآن . لقد كنا خلاصة البشر وصفوة الإنسانية . وجعـلـنـا حقاً واقعاً ما كان يراه الفلاسفة والمصلحون أملاً بعيداً . نحن المسلمين ! *** ثم لا تنقضي أمجادنا ولا تفنى ، لأنها لا تُعدّ ولا تُحصى . من يعـدّ معاركـنـا الـمظفّرة التي خضـنـاهـا ؟ . . مَن يحصى مآثرنا في العلم والفن ؟ مَن يستقري نابغينا وأبطالنا ؟ إلّا الذي يعدّ نجوم السماء ، ويحصي حصى البطحاء . اكـتبـوا ( على هامش السيرة ) ألف كتاب . . و(على هامش التاريخ )مثلها . وأنشئوا مائة في سيرة كل عظيم ، ثم تبقى السيرة ويبقى التاريخ كالأرض العذراء والمنجم المبكر . نحن المسلمين ! ولـسنـا شعبـاً كالشعوب يؤلّف بينهم الدم ، ففي كل شعب صالح وطالح ، ولكننا جمعية خيرية كبرى أعضاؤها كل فاضل من كل أمة ، تقيّ نقيّ . .تجمع بيننـا التقوى إن مصل الدم وتوحّد بيننـا العقيدة إن اختلفت اللغات ، وتُـدنـيـنـا الكعبة إن تناءت بنا الديار . . أليس في توجّهنا كل يوم خمس مرات إلى هذه الكعبة ، واجتماعنا كل عام مرة في عرفات رمزاً إلى أن الإسلام قومية جامعة ، مركزها الحجاز العربية ، وإمامها النبيّ العربي ، وكتابها القرآن العربيّ ؟ *** ديننـا الفضيلة الظاهرة ، والحق الأبلج . .لا حجب ولا أستار ، ولا خفايا ولا أسرار . هو واضح وضوح المئذنة ، أفليس فيها ذلك المعنى ؟ هل في الدنيا جـمـاعة أو نِحلة تكرر مبادئها وتُذاع عشر مرات كل يوم كما تُذاع مبادئ ديننـا نحن المسلمين على ألسنة المؤذنين : أشهد ألّا إله إلّا الله وأشهد أن محمداً رسول الله . *** لا نهن ولا نحزن ومعنا الله . . ونحن نسمع كل يوم ثلاثين مرة هذا النداء العلوي المقدس ، هذا النشيد القويّ :الله أكبر . . البطولة سجيّة فينـا ، وحب التضحية يجري في عروقنا . . لا تنـال من ذلك صروف الدهر ، ولا تمحوه من نفوسنـا أحداث الزمن . . لـنـا الـجـزيـرة الـتي يشوى عـلـى رمـالـهـا كـل طـاغٍ يطأ ثراها ويعيش أهلها من جحيمها في جنات . لـنـا الـشـام وغـوطـتـهـا الـتـي سُـقـيـت بـالـدم ، لـنـا فـيـهـا الـجـبـل الأشـمّ . . لـنـا الـعـراق . . لـنـا ( الـرمـيـثـة ) وسـهـول الـفـرات . . لـنـا فلسطين التي فيها جبل النار . لنا مصر دار العلم والفن ومثابة الإسلام . . لنا المغرب كله ، لنا ( الريف) دار البطولات والتضحيات . لنـا القسطنطينية ذات المآذن والقِباب ، لنا فارس والأفغـان والهند وجاوة . لنا كل أرض يُتلى فيها القرآن وتصدح مناراتها بالأذان . لنا المستقبل . .المستقل لنا إن عدنا إلى ديننا . نحن المسلمين ! *** الشيخ الطنطاوي قصص من التاريخ / ص 17 – 23 . المصدر: منتدى الخليج
|
||||||||||
|
|